ما القيمة التي يمثلها الحوت؟



هذا الحوت الأحدب الشاب تصل قيمته إلى ملايين الدولارات طوال فترة حياته، ويرجع ذلك إلى قدرته على امتصاص الكربون والغوص به إلى قاع المحيط بعد موته.

صورة بعدسة غريغ ليكور، مجموعة صور ناشونال جيوغرافيك

توفر المزايا التي تقدمها الحيتان الضخمة –مثل امتصاص الكربون- دافعاً قوياً لحماية هذه الأسماك وفقاً لعلماء الاقتصاد.

لا تعد أضخم الحيتان على مستوى العالم مجرد أعجوبة ثورية من عجائب الكون. من خلال عزل الكربون في المحيط، بإمكان الحيتان مساعدة البشرية في مواجهة التغيُّر المناخي؛ إذ إنها خدمة معززة للنظام البيئي تساوي ملايين الدولارات يقدمها الحوت الواحد وفقاً لتحليل جديد أجراه علماء الاقتصاد بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

غالباً ما يُنظر إلى حماية الحيوانات الضخمة المحبوبة مثل الحيتان كنوع من الأعمال الخيرية التي يقوم بها الأفراد والحكومات نيابة عن الطبيعة. أراد فريق من علماء الاقتصاد بقيادة رالف شامي -مدير مساعد في معهد تنمية القدرات التابع لصندوق النقد الدولي- تغيير طريقة تفكيرنا بشأن الحيتان من خلال تحديد المزايا التي تقدمها لنا في صورة دولارات وسنتات. يُعد هذا التحليل الجديد -الذي نُشر بالتفصيل في مقال أخير في النشرة التجارية لمجلة التمويل والتنمية- المحاولة الأولى من نوعها التي تحقق هذا الهدف.

لم يُنشر التحليل بعد في أوراق علمية مُراجعة، ولا يزال هناك بعض الفجوات المهمة في المعلومات العلمية فيما يتعلق بكمية الكربون التي تستطيع الحيتان امتصاصها. مع ذلك، بناءً على البحث الذي تم إجراؤه حتى الآن يتضح لعلماء الاقتصاد حقيقة أننا إذا وفرنا الحماية للحيتان الضخمة فسنحصل على مزايا كبيرة تعود بالنفع على كوكبنا.

يتمنى شامي أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى "بدء حوار مع صناع السياسة الذين لا يميلون إلى إنقاذ الحيوانات من أجل الحيوانات".

ويصرح قائلاً: "يجب أن نتفق على أن الحيتان تخدم الصالح العام على مستوى العالم".

حوض طبيعي للكربون

تساعد الحيتان الضخمة -منها الحيتان البالينية التي تحصل على غذائها من ترشيح الكائنات الدقيقة الموجودة في المياه وحيتان العنبر- في عزل الكربون في أيام قليلة وتحتفظ به في دهونها وأجسامها الغنية بالبروتين. تختزن الحيتان أطناناً من الكربون كما لو أنها أشجار عملاقة عائمة. عندما يموت الحوت وتغوص جثته إلى قاع البحر يُنتزع الكربون المُخزن من الدورة الجوية للمئات إلى الآلاف من الأعوام، فتكون حوضاً للكربون بمعناه الحرفي.

قدرت دراسة نُشرت عام 2010 أن ثمانية أنواع من الحيتان البالينية -بما في ذلك الحوت الأزرق، والحوت الأحدب، وحوت المنك- تنقل مجتمعة ما يقرب من 30,000 طن من الكربون إلى قاع البحار كل عام عندما تغوص جثثها. إذا استعادت الحيتان الضخمة وصول معدل نموها إلى أحجامه الأصلية قبل استغلالها تجارياً يتوقع الخبراء زيادة حجم هذا الحوض الكربوني بمقدار 160,000 طن سنوياً.

طوال فترة حياتها، قد تقدم الحيتان مزايا أكثر من مجرد اختزان الكربون، وذلك بفضل برازها الهائل الحجم. تتغذى الحيتان الضخمة على الكائنات البحرية الدقيقة؛ مثل: العوالق، والكريليات التي تعيش في قيعان المحيطات قبل الصعود إلى السطح لتتنفس وتخرج البراز والبول. تُطلق هذه الأنشطة الأخيرة كماً هائلاً من المغذيات التي تشمل النيتروجين، والفسفور، والحديد في المياه. تساعد موجات البراز الهائلة في تنشيط نمو العوالق النباتية والطحالب الحرية التي تسحب الكربون من الهواء من خلال عملية التمثيل الضوئي.

عندما تموت العوالق النباتية يتم إعادة تدوير الكربون المنبعث منها عند سطح المحيط. تغوص بعض العوالق النباتية النافقة بصورة حتمية؛ مما يرسل المزيد من الكربون المختزن إلى قاع البحر. توصلت دراسة أخرى أجريت عام 2010 إلى أن حيتان العنبر البالغ عددها 12,000 حوت في المحيط الجنوبي تستهلك 200,000 طن من الكربون من الجو كل عام من خلال تحفيز نمو العوالق النباتية وموتها من خلال عمليات التغوط الغنية بالحديد.

لم يعرف تحديداً كمية تغوط الحيتان التي تحفز نمو العوالق النباتية على مستوى عالمي، وذلك حسب رأي جو رومان؛ عالم الأحياء المتخصص في حماية البيئة بجامعة فيرمونت الذي لطالما عكف على دراسة هذه الظاهرة لسنوات طويلة. بناء على ذلك اتبع علماء الاقتصاد المنهج الذي يصفه شامي بعبارة "ماذا، ثم"، حيث تساءلوا عن مقدار الكربون الذي يمكن اختزانه -فرضياً- إذا تمكنت الأعداد الحالية من الحيتان الضخمة في تعزيز نمو العوالق النباتية البحرية بنسبة 1% على مستوى العالم. ومن أجل ذلك، أضافوا تقديراً قائماً على المواد المطبوعة عن كمية ثاني أكسيد الكربون التي تختزنها الحيتان عندما تموت: ما يقرب من 33 طناً لكل جثة نافقة، في المتوسط.

باستخدام سعر السوق الحالي لثاني أكسيد الكربون نجح علماء الاقتصاد في التوصل إلى إجمالي القيمة النقدية لهذا المخزون الكربوني في أجسام الثدييات البحرية، وأضافوها إلى المزايا الاقتصادية الأخرى التي تقدمها الحيتان الضخمة من خلال أمور مثل السياحة البيئية.

نجح شامي وزملاؤه معاً بتقدير القيمة المالية التي يمثلها كل مخلوق من هذه المخلوقات العملاقة اللطيفة والتي تساوي مليوني دولار طوال حياته. ما قيمة الأعداد الكلية للحيتان الضخمة على مستوى العالم؟ ربما تمثل ثروة قيمتها تريليون دولار للبشرية.

صورة لحيتان حدباء تنفث فقاعات هوائية لتحتجز مجموعة من الكريليات لالتهامها.

إنه ليس حل سريع فعال، ولكنه أسلوب تفكير جديد.

يوجد اليوم ما يقرب من 1.3 مليون حوت ضخم في المحيطات على كوكب الأرض. إذا تمكننا من استعادة أعداد الحيتان كما كانت في سابق عهدها قبل استغلالها تجارياً -التي تقدر بما يتراوح بين 4 و5 ملايين حوت- تُظهر الحسابات التي أجراها علماء الاقتصاد أن الحيتان الضخمة قادرة على اختزان نحو 1.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، وهو ما يفوق الانبعاثات الكربونية السنوية للبرازيل.

مع ذلك، لا ينفث البشر سوى نسبة مئوية ضئيلة من الـ40 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الهواء كل عام. وحتى مع جهود الحماية العالمية المكثفة، لن تتمكن الحيتان الضخمة من استعادة أعدادها السابقة قبل عقود من الآن، مع افتراض إمكانية تحقيق ذلك رغم الأضرار البالغة التي ألحقناها بالمحيطات.

ومن جانبه صرح ستيفن لوتز -قائد برنامج الكربون الأزرق في غريد –أريندال، وهي مؤسسة نرويجية تعمل مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة- قائلاً: "نحن لا نرغب في المبالغة في الترويج لهذا المفهوم؛ إذ لا يتم إنقاذ الحيتان من أجل إنقاذ المناخ فقط".

بالنسبة للوتز، تُعد الأرقام الدقيقة الواردة في التحليل الجديد أقل أهمية من إطار العمل الذي تطرحه للتفكير بشأن الحيونات البرية من حيث قيمتها الحقيقية طوال فترة حياتها، كما أنه يود رؤية تطبيق هذا النوع من المناهج على الأنظمة البيئية المائية الغنية بالكربون؛ مثل: مسطحات الأعشاب البحرية والمجموعات الأخرى من الكائنات البحرية؛ مثل: الأسماك.

ويواصل لوتز حديثه قائلاً: "نحن ننظر إلى الكربون الذي تختزنه أجسام الحيتان وكأنه قمة جبل الجليد إلى أن ينضب الكربون البحري".

ربما يمكن توسيع نطاق منهج قائم على المزايا المالية ليشمل الحيوانات التي تعيش على اليابسة. أفادت دراسة أخيرة نُشرت في دورية "نيتشر جيوساينس" العلمية بأن الأفيال التي تعيش في حوض الكونغو تساعد في اختزان ملايين الأطنان من الكربون في مواطنها المتمثلة في الغابات المطيرة.

ذكر فابيو بيرزاغي -أحد الباحثين لدى مختبر علوم المناخ والبيئة في فرنسا وكبير المشرفين على هذه الدراسة- أن التحليل الذي أجراه صندوق النقد الدولي يثير نقطة "في غاية الأهمية" بشأن الحيوانات الضخمة؛ ألا وهي: فالخدمات التي تقدمها للنظام البيئي "تعود بالنفع على الجميع".

وصرح بيرزاغي قائلاً: "أعتقد أن الإشادة بالخدمات التي تقدمها هذه الحيوانات والقيمة الكبيرة التي تمثلها خطوة أولى شديدة الأهمية، وربما تجني الكثير من المال".
إعلانات