بالقرب من حرائق غابات الأمازون يسيطر على السُكَّان شعورٌ بالإعياء والقلق والغضب



في مدينة بورتو فاليو- عاصمة إحدى الولايات البرازيلية التي التهمتها الحرائق التي نشبت مؤخراً- يشعر السكان بالقلق والإعياء بسبب الدخان الذي يتصاعد وينتشر من جرَّاء الحرائق.

بقلم ستيفان لافجرين
نُشِر في 23 أغسطس 2019

بورتو فاليو، البرازيل- هناك نشيد معروف يتَغنَّى بسماء هذه المدينة البرازيلية التي يعيش تحتها ما يزيد على 400,000 نسمة ويصفها بأنها دائمة الزُرقَة. ولكن هذا الأسبوع، تصاعد الدخان الرمادي ليُغطي مدينة بورتو فاليو وأغلب حوض نهر الأمازون نتيجةً لاستمرار انتشار الحرائق في غابات الأمازون عبر المنطقة.

ليست الحرائق أمراً جديداً على غابات الأمازون خلال هذه الفترة من العام التي تتميز عادة بطقسٍ جاف وأكثر برودة. تنْشب بعض الحرائق بفعل عوامل طبيعية، بيد أن هناك العديد من الحرائق التي يتسبب فيها رعاة الماشية والمزارعون في محاولة منهم لإخلاء الأرض وتهيئتها لرعي الماشية والزراعة. ولكن هذا العام، كشفت بيانات الأقمار الصناعية الصادرة عن المعهد القومي لأبحاث الفضاء في البرازيل (INPE) أن نسبة الحرائق عبر الدولة تشهد ارتفاعاً يصل إلى 85% منذ عام 2018، وأغلبها في منطقة الأمازون.

أدرج صورة

أصبح الوضع خطيراً على وجه التحديد في ولاية روندونيا في الشمال الغربي التي عاصمتها بورتو فاليو. وأفاد المعهد القومي لأبحاث الفضاء أنه مقارنةً بالعام السابق، ارتفعت نسبة الحرائق إلى 190% على الرغم من عدم اختلاف الظروف الجوية تقريباً. تشتهر ولاية روندونيا بأنها الموطن الرئيسي لرعي الماشية وبأنها من بين الولايات الأكثر اجتثاثاً للغابات في البرازيل. هذا العام، يبدو أن رعاة الماشية تسببوا في نشوب مزيدٍ من الحرائق مقارنةً بالأعوام السابقة، وهو ما أدى إلى احتراق مساحات خضراء كبيرة في الولاية بدرجة -فيما يبدو- يصعب السيطرة عليها.

انتشار الدخان في كل مكان

في مطلع هذا الأسبوع، كان من الضروري إغلاق مطار مدينة بورتو فاليو نتيجة تصاعد الحرائق وانتشارها خارج محيطها حيث كادت أن تحيط بمستودعات الوقود، وأصبحت أشجار النخيل المُتفحِّمة هي من تستقبل الزائرين عند وصولهم. في المدينة، أصبح من السهل ملاحظة الدخان حتى في مراكز التسوُّق الكبيرة وداخل غرف الفنادق المُغلقة. حسبما أفادت التقارير الإخبارية المحلية أن عدد المرضى الذين سجَّلوا دخولهم إلى مستشفيات ولاية روندونيا نتيجة لمعاناتهم من التهاب رئوي وسعال حاد وأمراض تنفسية أخرى قد تضاعف ثلاث مرات في الأسبوع الماضي.

في صباح يوم الجمعة، بدت الحياة في الشوارع وكأنها في حالتها الطبيعية؛ فلم يتخذ الناس تدابير احترازية لحماية أنفسهم من الدخان. عند أكشاك الفاكهة التي تنتشر في شارع إميجرانتس المزدحم، تقف لاين بوليناريا دي أوليفيرا لتبيع إلى عدد الزبائن المُعتاد نفسه الذين يتوقفون لشراء الأناناس والبابايا والبطيخ والجوايابا الذي يُعد الإصدار البرازيلي من ثمرة الجوافة.

توضح دي أوليفيرا قائلةً "يسير العمل بصورته الطبيعية على الرغم من أن حرائق الأمازون أصبحت مدار الحديث بين الناس"، وأضافت: "صحيح أننا اعتدنا على الحرائق في هذه الفترة من العام، ولكنها هذا العام كانت أكثر سوءًا من ذي قبل".

ومن منشأ دي أوليفيرا في مدينة نوفا ماموري تلك البلدة الصغيرة التي تقع على بُعد 186 ميلاً حيث تزيد فيها شدة الحرائق عن مدينة بورتو فاليو، تواصل حديثها موضحةً أنها تشعر بالقلق على ابنها ذي التسع سنوات من استنشاق هواءٍ ملوَّث.

مسار الشحن البحري يتأجج لهباً

ليس بمنأى عن الحدود البوليفية ونهر ماديرا، يقع أحد روافد نهر الأمازون الذي يبلغ طوله 2000 ميل، وهو ما جعل من مدينة بورتو فاليو مركزاً ذا ثِقَل للشحن البحري في الشمال الغربي لولاية الأمازون البرازيلية. أدَّى الدخان المتصاعد من الحرائق إلى معاناة مشغِّلي المراكب من ضعف إمكانية الرؤية، وهذا- بطبيعة الحال- يزيد من احتمالية اصطدامهم بمراكب أخرى أو ارتطامهم بضفاف رملية.

استعاد جيرسون دي سيلفا كروث -سائق قارب محلي وصيَّاد- تفاصيل الحادثة المروِّعة التي وقعت مساء يوم الأربعاء، عندما تفاجأ هو والطاقم على متن السفينة المتجهة عكس التيار بمواجهتهم لحريق هائل عند منعطف رئيسي في النهر الذي يبعد مسافة 12 ساعة تقريباً عن مدينة بورتو فاليو.

يحكي كروث قائلاً: "لم نتمكن من رؤية أي شيء بسبب الدخان". قرر قبطان السفينة أن أفضل إجراء يمكن اتخاذه هو البقاء في المنطقة نفسها بجانب أرضٍ نشب فيها حريق من قبل لإخلائها حتى تُقام مزارع بطيخ عليها، والانتظار حتى يتوقف الدخان وهذا ما حدث في نهاية الأمر.

بينما يعمل نهر ماديرا الواسع كحاجزٍ أمام الحرائق، فإن الطرق الصغيرة التي تقطع غابات الأمازون الشاسعة توفر حماية محدودة للمسافرين بالسيارات.

هل السكان الأصليون في خطر؟

ما يدعو إلى القلق هو مصير الكثير من المجتمعات الأصلية في منطقة الأمازون؛ حيث يعيش مليون نسمة من السكان الأصليين في الجانب البرازيلي من حوض نهر الأمازون، بينما يعيش الكثيرون في عُزلة تامة عن العالم الخارجي.

يوضح إيفانيدي بانديرا كاردوسو قائلاً: "لا أحد يعرف كيف يسير الوضع معهم... فليس لديهم رجال إطفاء ليستنجدوا بهم في إطفاء الحريق"، والجدير بالذكر أن كاردوسو هو المؤسس المعروف لمجموعة كانينديه، الكائنة في مدينة بورتو فاليو والمتخصصة في مناصرة المجتمعات الأصلية.

يشير كاردوسو وآخرون إلى أن الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو هو المسؤول الأول عن تصاعد حرائق الغابات إلى حوض نهر الأمازون هذا العام؛ فمنذ تولِّيه السلطة مطلع هذا العام، أوضح بولسونارو أنه أعطى أولوية لمصالح الصناعات التي تحتاج إلى وصولٍ أوسع لأراضٍ محمية. أشارت الانتقادات التي وُجِّهت إليه إلى أنه قد جرَّأ رعاة الماشية والمزارعين على حرق المزيد من الأراضي والتملُّص من إنفاذ القانون، مشيرين إلى أن حكومته لن تفرض غرامات على الاستيلاء غير القانوني على الأراضي.

يستطرد كاردوسو قائلاً: "ما يقف وراء هذه المأساة هي كلمات الرئيس"، ومع أن القطاع الأكبر من ضحايا الحرائق هم السكان الأصليون والطبيعة، إلا أن هذه "المأساة تَطال البشرية بأكملها". تلعب غابات الأمازون دوراً مهماً في النظام البيئي العالمي؛ حيث إنها تعمل بوصفها مصرفاً للكربون لتقلل من التأثيرات الناتجة عن تغيير المناخ.

رفض بولسونارو من جانبه الانتقادات التي وُجِّهت إلى إجراءات حكومته بوصفها إجراءات هيستيرية. ودون أن يقدم بولسونارو أي دليل، أشار إلى أن المنظمات الأجنبية غير الحكومية هي من أضرمت النيران عمداً حتى "تثير الفتنة في البرازيل".

على الرغم من أن بولسونارو ما زال يحظى بدعمٍ قوي من قاعدة المحافظين، يتزايد قلق البرازيليين من أن إجراءات الحكومة قد تضر بسُمعة البرازيل على الصعيد الدولي، وقد تؤدي في النهاية إلى تعسر الأحوال الاقتصادية إذا قررت الدول الأخرى مقاطعة المنتجات البرازيلية بما في ذلك اللحوم. وكما أوردت التقارير، حُددت مواعيد لاحتجاجات ضد سياسات الحكومة بشأن الأمازون في عدة مدن في البرازيل على مدار الأيام الثلاثة المُقبلة.

وعند كشك الفاكهة في بورتو فاليو، توضح دي أوليفيرا أن هناك تبايناً في آراء الناس العادية عن الإحراق المتعمد للغابات. وتضيف "هذه ممارسة يقوم بها الناس على مدار سنوات عديدة"، "ولكننا الآن، نشعر حقاً بتداعيات هذه الممارسة وبدأ الناس في تغيير آرائهم حول هذا الأمر".

يبدو أن السكان هنا لم يمنعهم الهواء المليء بالدخان من ممارسة حياتهم بشكلٍ طبيعي؛ ففي مساء يوم الخميس، اجتمع حشد من الشباب في أحد البارات الخارجية المُلحقة بمركز التسوق الرئيسي في مدينة بورتو فاليو ليغنوا بصوت عالٍ مع إحدى فِرَق الغناء والدخان يحوم حول أعمدة الإنارة. لك أن تتخيل عنوان الأغنية "جميعنا سوف نعاني معاً".
إعلانات